Spider-Verse وعبقرية الفن في وجه المألوف

في زمنٍ تتشابه فيه أنماط التحريك وتغرق فيه أفلام الأبطال الخارقين في تكرارٍ بصري وسردي خرجت Sony من قلب الصمت حاملةً مشروعاً بدا عند الإعلان عنه عام 2014 وكأنه مغامرة محفوفة بالمجهول، فيلم رسوم متحركة عن سبايدرمان… لكن ليس كما عهدناه، بل كان Spider-Verse!

ما لم يكن يدركه العالم آنذاك هو أن Into the Spider-Verse سيصبح أحد أعظم وأجرأ الأعمال السينمائية في تأريخ الرسوم المتحركة، لا لأنه يروي قصة بطل خارق بل لأنه أعاد تعريف ما يمكن أن تكون عليه الرسوم المتحركة ذاتها.

التحريك ليس صورة.. بل إحساس

بينما تبنّت معظم أستوديوهات العالم معيار 24 إطاراً في الثانية لخلق سلاسة الحركة، قرّر فريق Sony تمزيق هذا الدستور البصري، لقد أرادوا فيلماً يبدو وكأنه كُشط من صفحات الكوميكس نابضاً بالخطوط متقطعاً بالإيقاع غير المنتظم عمداً لأنه يعكس مشاعر الشخصيات لا مجرد تحركاتها.

مايلز المراهق الذي لا يزال يتلمس خطواته كبطل خارق يُحرّك على 12 إطاراً فقط، لكن في لحظة “قفزة الثقة” تتحول حركته إلى 24 إطاراً حيث القفزة لم تكن جسدية فقط بل بصرية، عاطفية وداخلية.

في مشهدها الأشهر تُقلب الكاميرا لتُظهر سقوطه كصعود في عالم Spider-Verse، الإنقلاب البصري يعني انقلاباً في المصير.

الكوميكس كُحلم حيّ

كل لقطة في الفيلم بُنيت كأنها لوحة مرسومة يدوياً حيث الأنماط تحاكي طباعة الكوميكس القديمة، فقاعات حوار تنفجر وسط الشاشة، تداخل ألوان يُحاكي عيوب الحبر، بالإضافة إلى تقسيم الشاشة بأسلوب صفحات القصص المصورة وخطوط قلم تُذكّرك دوماً أن هذا فن لا صورة، هذه ليست محاكاة للكوميكس بل إنها تنبض، وتتنفس، وتتكلم بلغة السينما.

تعدد الأكوان… وتعدد الأساليب

كل رجل عنكبوت في الفيلم الأول كان من عالم مختلف تم تصميمه بأسلوب بصري يعكس تلك الهوية:

• Peter B. Parker: أسلوب تقليدي ثلاثي الأبعاد.
• Spider-Gwen: كأنها ترقص بألوان الباستيل.
• Peni Parker: أنمي ياباني ثنائي الأبعاد.
• Spider-Man Noir: ظلال درامية بالأبيض والأسود.
• Spider-Ham: قوانين Looney Tunes من تمطط وانكماش.

كان التنافر مقصوداً لأنهم لا ينتمون لعالم مايلز بل يدخلون فيه كزوار من حلم مختلف.

الموسيقى لغة مايلز الخاصة

المؤلف Daniel Pemberton لم يكتب موسيقى تصويرية بل رسم الأنغام المقطعة صورة صوتية لهوية مايلز ولفوضى العالم من حوله، ثم جاءت Sunflower بصوت Post Malone وSwae Lee لتصبح رمزاً ثقافياً لا يقل خلوداً عن أي مشهد حيث وصلت إلى أكثر من 2 مليار استماع.

إعتراف العالم وتأثير لا يُنكر

فاز الفيلم بالأوسكار، الغولدن غلوب، البافتا و7 جوائز Annie لكنه نال ما هو أعمق وهو تغيير النظرة تجاه الأنميشن كفن سينمائي رفيع، من الجانب التجاري حقق فلم Into the Spider-Verse أكثر من 393 مليون دولار في شباك التذاكر العالمي بتكلفة أنتاج 90 مليون دولار بينما حقق Across the Spider-Verse أكثر من 690 مليون دولار بميزانية تجاوزت 100 مليون دولار.

أعمال لاحقة تم استلهامها على نهجه مثل:

• The Mitchells vs. The Machines
• Puss in Boots: The Last Wish
• TMNT: Mutant Mayhem

كلها تنفّست من ثورة Spider-Verse واقتفت أثره في التحرر من قيد الواقعية ثلاثية الأبعاد.

Across the Spider-Verse أفق أبعد مما نتخيل

حين صدر الجزء الثاني عام 2023 لم يكن تكملة بل قفزة في الفن الإبداعي:

• أكثر من 1000 فنان.
• 6 أكوان رئيسية.
• كل عالم بأسلوب تحريك مختلف.
• أدوات ذكاء صناعي تحت إشراف فني.
• أنظمة تظليل تستجيب للعاطفة.
• بعض المشاهد تضم أكثر من 100 طبقة.

ولعل أكثر الشخصيات تعقيداً كانت Spider-Punk الذي يتحرك بإطارات متعددة داخل نفس اللقطة، مظهره كقصاصة وحركته تُقاوم الانسياب لأنه ببساطة يرفض التقييد.

صراع الإيديولوجيا بين مايلز وميغيل

مايلز عالمه فوضوي، ملون، نابض بالتعبير، بينما ميغيل عالمه صلب، بارد، منظم حتى الحافة، والتصادم بينهما لم يكن في القصة فقط بل في أسلوب التحريك ذاته، كل شخصية رُسمت بما يعكس نظرتها للعالم.

العبقرية لها ثمن

وراء هذه الثورة البصرية كان هناك ألم حقيقي، رسامون عملوا 11 ساعة يومياً على مدار 7 أيام في الأسبوع، سوني اشترطت رؤية كل مشهد مكتمل قبل الموافقة عليه مما جعل أي تعديل بمثابة هدم وبناء من جديد مما سبب استقالة بعضهم لكن ما خرج للعالم كان أشبه بما يُخلّد لا يُصنع.

Beyond the Spider-Verse والحلم المؤجل

كان من المفترض أن يصدر الجزء الثالث في 2025 لكنه تأجّل بسبب الإضرابات ومشاكل الإنتاج، الآن الموعد الجديد هو 3 يونيو 2027, وقد وعد صناعه أنه سيكون أضخم، أعمق، وأكثر جنوناً من كل ما سبق.

Spider-Verse ليس فيلماً بل بيان فني

إن أفلام Spider-Verse ليست مجرد مغامرات رجل عنكبوت آخر بل هي نقطة تحوّل، فقد جمعت بين الجرأة التقنية، الانحراف عن النمط، الغوص العاطفي والاحتفاء بالهوية لتعيد تعريف ما يمكن أن يكون عليه فن الأنميشن في القرن الحادي والعشرين.

Spider-Verse هو درسٌ في أن الفن لا يتقدم بالمحاكاة بل بالتمرد، ومايلز موراليس بطلها الشاب هو رمز لكل من تجرأ على القفز قبل أن يتعلم الطيران.