
بعد سبع سنوات من صدور الجزء الأول الذي صدر في 2018 من تطوير 11 bit studios، تعود إلينا سلسلة البقاء وإدارة المدن الاستراتيجية بجزأها الثاني Frostpunk 2 على منصة PS5 ليس كتكملة تقليدية، بل كتجربة تُعيد تفكيك الفكرة التي قامت عليها السلسلة منذ بدايتها مفادها.. ماذا يعني أن تقود مجتمعًا على حافة الانقراض؟
لم يكتفِ المطوّرون بتحديث الرسوميات أو تحسين الواجهة، بل اختاروا إعادة تشكيل قلب اللعبة بالكامل. بدلًا من إدارة مستوطنة صغيرة متلاصقة حول مولد واحد، أصبح اللاعب مسؤولًا عن مدينة عملاقة تتجاوز عشرات الآلاف من السكان، يواجه فيها انقسامات سياسية وفلسفية أكثر من كونها تحديات للبقاء فقط. هذه المرة، لا تختبرك Frostpunk 2 بقرارات قاسية فحسب، بل يجعلك تتساءل عمّا إذا كان الصواب الأخلاقي هو نفسه الصواب الاستراتيجي، وغالبًا ستكتشف أن الجوابين لا يلتقيان أبدًا.
تحوّل جوهري في فلسفة البناء والإدارة

على السطح، ما تزال Frostpunk 2 لعبة إدارة وبقاء، لكن ما يحدث خلف الستار أكثر تعقيدًا مما اعتدنا عليه. المدينة لم تعد مجرد مجموعة مبانٍ تُبنى حول مولد حراري يجعلك تشعر بصداع مراقبته بإستمرار، بل أصبحت شبكة واسعة من مناطق تخصصية “سكنية، صناعية، غذائية، لوجستية، ومناجم الخ..” كل منطقة عبارة عن عدة خلايا مترابطة تتطلب توفير الحرارة والنقل والغذاء، وفي المقابل تنتج سلعًا أو موارد يحتاجها المجتمع. هذه المنظومة تعطي إحساسًا بأنك تبني مدينة حقيقية لا مجرد مخيم نجاة.
التحوّل الأكبر يأتي من دخول النفط كعنصر طاقة جديد.

في الجزء الأول، كان الفحم وبعض الموارد رمزًا للبساطة والبقاء الخام، أما في الجزء الثاني فقط أصبح المفهوم أشمل وأكثر تطورًا، فالنفط يحمل معه كل ما يحمله في عالمنا الواقعي الطاقة الهائلة والمخاطر بيئية، ويلعب دورًا في التوترات والصراع السياسي، بل صراعات بين التطور الصناعي والمحافظة الاجتماعية. هنا يظهر الخط الفلسفي الواضح..
هل من حقك كقائد أن تدفع مجتمعك نحو مستقبل لا يريدونه فقط لأنك ترى أنه الأفضل للبقاء؟
وهل “البقاء” هدفًا كافيًا لتبرير كل قرار؟
فعلى عكس الجزء الأول، لم تعد قوانينك تُنفذ فورًا، بل تُطرح داخل مجلس سياسي تتنافس فيه فصائل مختلفة، وتمرير أي قانون أصبح عملية تفاوض ووعود وأحيانًا مجازفات، وفي حال لم تُنفّذ وعودك لاحقًا، ستدفع ثمن ذلك سياسيًا وربما وجوديًا.
أما المطورون هنا، فقد نجحوا في تقديم منظور جديد متمثل في ..
“أنت لا تدير مدينة فقط… بل تُحافظ على شرعية حكمك.”
أبعاد جديدة للاستكشاف والعلاقات بين المدن

العالم الخارجي Frostlands، لم يعد مجرد مكان تجمع منه موارد إضافية. الآن أصبح مساحة جيوسياسية كاملة، تضم مستوطنات بشرية لها طابعها الخاص، احتياجاتها، وطبائعها.
تلك المستوطنات قد تتحول إلى حلفاء أو خصوم، اعتمادًا على تعاملك معها، وعلى كمية “الرحمة” أو “البراغماتية” التي ستُظهرها في قراراتك، فعندما تواجه قطيعًا شبه أخير من الفقمات، أو مجموعة أطفال مفقودين في منجم، أو مستوطنة صغيرة تستغيث ضد العواصف سوف تكتشف أن كل قرار تتخذه اليوم سيعود إليك لاحقًا، فهي لن تكون عودة مباشرة ولا لحظية، بل تأثيرات تتراكم عبر الفصول الخمسة للحملة، كأن اللعبة تقول لك:
“هذا هو مسار مدينتك الذي اخترته أنت… وهذه نتائجه”.
من الناحية التقنية، Frostpunk 2 يقدم واجهة أبسط من الجزء الأول، لكنها أعمق بكثير، فإدارة الموارد الضخمة ومراقبة التلوث وتتبع طرق التجارة، تحديد أولويات البحث العلمي… كلها أصبحت مترابطة بشكل سلس.
ورغم أن اللعبة قادرة على إغراقك بالمعلومات والتفاصيل التي ستربكك وقد توقظ الصداع لديك، إلا أنها تحاول أن توازن بين التحدي والوضوح بطريقة تجعل البناء الكبير ممتعًا أكثر مما هو مرهق.

الإيجابيات
- رسومات وأداء تقني وتحكم أفضل من الجزء الأول على منصة PS5 ودعم جيد لخصاص يد التحكم DualSense.
- واجهة استخدام محسّنة دون المساس بجوهر اللعبة ومناسبة للعرض على شاشات التلفزيون بالنسبة للكونسول.
- توسعة ضخمة في أساليب وتفاصيل الإدارة والموارد تمنح المدينة شعورًا حقيقيًا بالحياة.
- نظام سياسي وفصائل مؤثر يضيف عمقًا استراتيجيًا وفلسفيًا قويًا.
- قرارات أخلاقية متداخلة ومتراكمة ومعقدة تحمل عواقب بعيدة المدى تغير فصول القصة.
- توسع كبير في الاستكشاف والعلاقات مع المستوطنات الأخرى.
- كتابة قوية تحافظ على روح السلسلة الكئيبة والمظلمة.
السلبيات
- منحنى التعلم أعلى بكثير وقد يربك اللاعبين الجدد.
- أحيانًا يُشعرك النظام السياسي بأنك محاصر أكثر من كونه نظامًا عادلًا للقرار.
- بعض الفصول تسير بوتيرة بطيئة مقارنة بحدة التحديات.
- الاعتماد الكبير على النفط يجعل بعض الاستراتيجيات غير متنوعة في بداية اللعبة.
التقييم النهائي
اختيارات تصنع المصير - 8
8
اختيارات تصنع المصير
Frostpunk 2 ليس نسخة محسنة من الجزء الأول، بل إعادة بناء جذرية لفكرة “مدينة على حافة الهلاك” وتجبرك على مواجهة الواقع القاسي لقيادة مجتمع يتشبث بالحياة في عالم يتجمد حرفيًا وروحيًا. قد لا تنال إعجاب كل من أحبوا بساطة الجزء الأول، لكنها بلا شك خطوة شجاعة نحو توسيع هوية السلسلة وجعلها أكثر نضجًا وتعقيدًا.









